تاريخ الكافيهات في مصر: من المقاهي الشعبية إلى الكافيه العصري ‒ قصة القهوة المصرية

 ☕ تاريخ الكافيهات في مصر: من القهوة على الرصيف إلى الكافيه العصري

المقدمة

لا توجد مدينة في العالم تتنفس القهوة كما تتنفسها القاهرة. في مصر، القهوة ليست فقط مشروبًا... بل عادة، وهوية، وتاريخ، ومشهد اجتماعي. في أزقتها القديمة وأسواقها الشعبية ومقاهيها العريقة، تتشكل معالم ثقافة ممتدة عبر قرون.

في هذا المقال، نأخذك في رحلة زمنية عبر تاريخ الكافيهات والمقاهي المصرية، من أول مقهى في العصر العثماني، إلى "قهوة عم سيد على الرصيف"، وصولًا إلى الكافيهات الحديثة بموسيقاها الغربية وأجهزتها الرقمية. سنكتشف كيف تطورت العلاقة بين المصري والقهوة، وتأثيرها على الحياة الثقافية والاجتماعية.


🟠 الفصل الأول: البدايات – دخول القهوة مصر

1. من اليمن إلى القاهرة

وصلت القهوة إلى مصر من اليمن في القرن السادس عشر، عن طريق الحجاج والتجار الصوفيين، وانتشرت في القاهرة القديمة وخاصة في الأزهر وبولاق. في البداية، كانت تُستخدم في الطقوس الدينية والسهرات الروحية، نظرًا لتأثيرها المنبه.

2. المقاهي الأولى

  • أول مقهى مسجل في القاهرة كان في منطقة الأزهر عام 1530م.

  • أُطلق على المقاهي اسم "قهاوي"، وكان يرتادها المتصوفون والتجار والمسافرون.

  • كانت الأماكن أشبه بالزوايا الدينية، ثم تطورت لتكون ساحات للنقاش والاستماع إلى الحكايات.


🟠 الفصل الثاني: المقهى الشعبي – قهوة بلدي بطابع مصري

1. القهوة البلدي.. أكثر من مشروب

المقهى الشعبي في مصر لا يُقدم فقط القهوة والشاي، بل:

  • مكان للقاء الأصدقاء.

  • لمشاهدة المباريات.

  • للعب الطاولة والدومينو.

  • لسماع الراديو ومناقشة السياسة.

القهوة البلدي تحتوي على عناصر ثابتة:

  • كراسي خشبية أو بلاستيكية.

  • شيشة أو جوزة.

  • جرسون تقليدي (أبو مريلة).

  • فناجين زجاجية أو أكواب صغيرة.

2. "قهوة ع الطريق"

في السبعينات والثمانينات، انتشرت "القهاوي ع الرصيف"، وهي تجمعات بسيطة أمام البيوت أو بجوار المحلات، بكراسي متواضعة ولكن بأحاديث غنية. هذا النوع من القهوة لا يتطلب مكانًا فاخرًا، فقط:
"شوية صحبة حلوة وفنجان قهوة على الحطب."


🟠 الفصل الثالث: المقاهي الأدبية والسياسية

1. مقهى الفيشاوي (خان الخليلي)

من أشهر المقاهي الأدبية في القاهرة، حيث جلس نجيب محفوظ، توفيق الحكيم، يوسف إدريس وغيرهم. تأسست عام 1797م، وكان لها ركن خاص بـ"الأدباء والمثقفين".

2. مقهى ريش (وسط البلد)

  • أسسها فرنسي عام 1908.

  • زارها كبار السياسيين والمثقفين مثل سعد زغلول، طه حسين، أمل دنقل.

  • كانت مركزًا للحوار السياسي والثقافي في زمن الثورات.

3. قهوة البستان، الزهراء، وأماكن وسط البلد

هذه المقاهي كانت ولا تزال منصات لولادة الأفكار والمسرحيات والروايات. كانت النقاشات تدور من اليسار إلى اليمين، ومن الأدب إلى الفلسفة.


🟠 الفصل الرابع: التحول نحو الكافيه العصري

1. من القهوة إلى الكافيه

في منتصف التسعينات، بدأت الموجة الأولى من "الكافيهات الحديثة"، مستوحاة من أوروبا، تقدم:

  • ديكور أنيق.

  • موسيقى غربية.

  • مشروبات مثل الكابتشينو، لاتيه، موكا.

أشهر الأسماء في ذلك الوقت:

  • Cilantro

  • Beanos

  • Costa

  • Starbucks (بعد 2006)

2. التغيير في الجمهور

  • لم يعد "الزبون" مجرد عامل أو شاب في الحي، بل طلاب جامعات، موظفون، رواد أعمال.

  • الكافيه أصبح مكانًا للعمل أو الدراسة، وليس فقط للراحة أو اللقاءات.

3. الإنترنت.. الكافيه أونلاين

مع دخول الإنترنت، بدأت الكافيهات تقدم:

  • خدمة Wi-Fi.

  • مقاعد مخصصة للعمل.

  • شحن الهواتف واللابتوبات.

  • تطبيقات حجز الطاولات وتوصيل القهوة.


🟠 الفصل الخامس: الكافيه كمجتمع مصغر

1. ثقافة "القاعدة في الكافيه"

  • الكافيه أصبح المكان البديل لـ "البيت الثاني".

  • تقام فيه اجتماعات، مقابلات شخصية، شغل "freelancer".

2. الكافيهات النسائية

  • ظهرت كافيهات مخصصة للفتيات أو العائلات فقط.

  • توفر بيئة هادئة، مغلقة، وخالية من الإزعاج.

  • تقدم أنواع قهوة صحية أو عضوية.

3. كافيهات الإنفلونسرز

  • ديكور خاص للتصوير.

  • مشروبات "إنستجرامية".

  • مؤثرين يروجون لها عبر السوشيال ميديا.


🟠 الفصل السادس: الصراع بين القهوة البلدي والكافيه العصري

رغم انتشار الكافيهات، لا تزال القهوة البلدي صامدة. لماذا؟

القهوة البلدي            الكافيه العصري
شعبية وبأسعار معقولة                  مكلفة ونخبوية
روح الحارة والشارع                  عصرية وهادئة
لا تحتاج لباس معين        تحتاج مظهر اجتماعي معين
لا توجد قيود على الجلوس          تعتمد على الوقت والحجز

هذا الصراع جعل الشباب "يأكلوا على الحبلين": فنجان قهوة بلدي مع الأصدقاء في المساء، وكوب لاتيه في الكافيه صباحًا!


🟠 الفصل السابع: اقتصاد القهوة والكافيهات

1. كم ينفق المصريون على القهوة؟

وفقًا لبعض الدراسات:

  • متوسط الإنفاق الشهري على القهوة يصل إلى 400–600 جنيه.

  • الشباب بين 18–35 سنة يمثلون 60% من مرتادي الكافيهات.

2. فرص العمل:

  • يعمل في قطاع الكافيهات آلاف من الشباب كـ"باريستا، ويتر، مدير فرع".

  • مشاريع القهوة تعد من أكثر المشاريع ربحًا في مصر.

3. انتشار القهوة المختصة (Specialty Coffee)

ظهرت في آخر 5 سنوات أماكن تقدم:

  • أنواع بن نادرة من إثيوبيا وكولومبيا.

  • تحضير بطرق علمية (V60 – Chemex – Cold Brew).

  • جمهورها من محبي القهوة العميقة وليس العادية.


🟠 الفصل الثامن: الكافيهات والمستقبل

1. كافيه ذكي (Smart Café)

  • طلب القهوة عبر QR Code.

  • الدفع بالموبايل.

  • الطاولة الذكية.

2. كافيهات صديقة للبيئة

  • إعادة استخدام الأكواب.

  • إلغاء البلاستيك.

  • دعم البن العضوي.

3. كافيه ثقافي رقمي

  • عروض كتب إلكترونية.

  • ورش عمل داخل المقهى.

  • شاشات عرض ومكتبة مصغرة.


🟢 خاتمة: فنجان واحد.. وحكايات لا تنتهي

من "مقهى شعبي على الرصيف" إلى "كافيه مزود بالـWi-Fi"، تبقى القهوة رمزًا جامعًا للناس رغم اختلافهم. هي بداية يوم عند البعض، ونهاية متعبة عند آخرين، وهي فسحة فكرية وأحيانًا لحظة تأمل.

رحلة القهوة في مصر تحكي قصة بلد كامل يتغير، ولكن يظل متمسكًا بجذوره.
والمقهى، سواء كان شعبيًا أم عصريًا، سيبقى دومًا مساحة للحكاية والونس.

إرسال تعليق

0 تعليقات